قلبي وعيناك والايام بقلم رحاب ابراهيم
نوبل في خطڤ قلوب ملكات جمال المعادي يا جربان... نطق جاسر بضحكة ساخرة _ ده كان القرن الماضي...وبعدين من شابه جده فما ظلم...طالعلك في كل حذفوره من حذافيرك يا رشدي باشا.... توجه إليه الحفيد الرابع آسر محاولا تلطيف الأجواء وجلس بجواره على الفراش قائلا _ صحتك بتتحسن الحمد لله...بس بلاش سجاير عشان خاطري... هتف الجد بعصبية وهو ينفض عنه غطاء السرير _ اسمها سېجار يا جاهل دكتور بس لسه حمار... قال جاسر بابتسامة خبيثة _ مش موجود غير سجاير وفرط كمان السېجار أنقرض من سنة ١٩٨٠....إيه رأيك يا جدي زم الجد شفتيه بغيظ... وقال متراجعا عن نبرة الثقة بحديثه _ زي بعضه يا رعاع عايز سجاير بقا... دلف بهذه اللحظة...من يعتبره الجميع منقذ العائلة الأول.. وفخرها.. العم....وجيه الزيان دلف وجيه وهو بأبهى طلته وبحلة سوداء أنيقة بعدما ابدل ملابسه المبتلة بمياه المطر.... ويفوح منها عطره المميز الباهظ الثمن ...ابتسم والده له فأقترب وجيه منه وقبل رأسه قائلا بأدب صباح الخير يا بابا...رجعت تاني ..هروح المستشفى بليل ابتسم له والده وقال _ صباح النور يا وجيه كويس أنك جيت وهتنقذني من الرعاع دول.........أطردهم بس براحة... ابتسم له وجيه ابتسامة خفيفة... وأشار للشباب للخروج فتمتم جاسر بنظرة ماكرة لجده _ مستنيك على الفطار يا جدي... نظر له الجد بابتسامة منتصرة حتى خرج الشباب من الغرفة وأطمئن وجيه على والده.... ثم بادر الأب بالحديث وقال ببعض التردد _ أنا مش عاجبني حالك يا وجيه بتضيع عمرك سنة ورا سنه ومش عارف هتفضل كده لحد أمتى! شعر وجيه ببعض الملل في تكرار هذا الأمر بذات الموضوع كلما أنفرد بوالده للحديث...حتى بهذا الصباح! ابتعد وجيه للنافذة ونظر للطقس الشتائي من النافذة الزجاجية وقال _ مش مستعد أكرر التجربة تاني أنت عارفني كويس وعارف أن الفشل مش بعرف أتقبله بسهولة...ثم أني كبرت ومش بفكر أتجوز خلاص ...نسيت الموضوع ده.... أعترض والده بشدة وتحدث بعصبية _ سنك 42 سنة!! معجزتش زيي يعني عشان تيأس كده! قول أنك أنت اللي مش عايز تتجوز وأنا هقتنع أكتر! بس أنا عارف.. ضيق وجيه عينيه بحدة واستدار بذهول لوالده وقال _ عارف إيه! .... قال والده بنظرة متفحصة لانفعاله الواضح وكأن أحد كشف سره العظيم _ دايما كنت بحس أن في واحدة مستخبية ورا كل اعتراضك للجواز....حتى أنها ورا فشل جوازتك الأولى اللي مكملتش 6شهور!....مستخبية دايما في نظراتك لما بتسرح وتروح لبعيد... ما تخبيش عليا أنا عارفك وحافظك.. توترت نظرات وجيه....ونظر لوالده بصمت وبريق عينيه يفضح الكم الهائل من الحنين الذي أخفاه لسنوات من العڈاب مرت عليه... وأقسم أن لا يحب مرة أخرى...بعدما تلقى صفعه الهجر دون سبب أو مبرر... وتلقى وقتذاك خنجر الغدر في خشوع وكبرياء وكأن هذا الخڼجر الغاشم جعل أكنه على قلبه اتجاه...الحب حتى بعد تجربة زواج أعتقد أنها ستنسيه ما مر به.....ولكنها جعلته يتأكد أنه لن يستطيع تقديم قلبه لامرأة مرة أخرى....مهما كانت فاتنة قال في نظرة عاتبة لوالده _ جوازتي الأولى كانت اختيارك مش اختياري...وبسبب حزنك على أخواتي الله يرحمهم... مقدرتش أعارضك ... قال والده في نظرة حزينة _ أنا عارف أني فرضت عليك زي ما عملت مع أخواتك...بس كمان فاكر أنك في الفترة دي كنت تايه وحزين لشيء مش راضي تقوله لمخلوق!.....أنت الوحيد اللي مكنتش هجبرك...لو رفضت مكنتش هعترض ....! رد وجيه بتنهيدة حارة مثقله بالهموم _ أنا مش عايز اتكلم في اللي فات....كفاية لحد كده... ارتاح والده لأغلاق هذا الحديث الذي يغمره بالندم ...وتساءل في أكثر شيء يشغل باله مؤخرا _ عملت إيه في الموضوع اللي قولتلك عليه وضع وجيه يديه في جيب بنطاله في ثقة ثم استدار قائلا وهو يستند بظهره على الحائط _ تصريح القافلة الطبية جاهز....بس لسه الشباب مايعرفوش عنه حاجة...أتمنى ما يكشفوش اللي ورا موضوع القافلة ... عبس وجه العجوز وقال بقلق _ بنات أبني مصطفى الله يرحمه لازم يجوا يعيشوا معايا هنا بأي طريقة .... ويسامحوني...ده حتى رفضوا مقابلة حد فينا السنين اللي فاتت... إلا أنت يا وجيه تنهد بأسى وهو يزم شفتيه بوجوم.... ثم أضاف _ وكل اللي عرفته أنهم سابوا البلد اللي كانوا عايشين فيها وراحوا قرية جانبهم...عند خالهم العمدة....أنا متفق مع خالهم في الخباثة عشان لما يوصلوا الشباب يستقبلهم عنده وكده يعني.... تخيل وجيه للحظات كيف سيكن وقع الخبر الغير معلن للآن على شباب العائلة ...يبدو أن الأمر سيتخلله بعض المرح ....خصوصا أن الفتيات تربوا بالريف وهذا نقيض مع البيئة المرفهة التي نشأ بها الشباب بهذا المنزل.....قال بجدية _ خلال أيام هيكون الشباب عرفوا موضوع القافلة والسفر للأرياف...بس تعرف يا بابا...هيوحشوني على ما يرجعوا... قال ذلك بابتسامة طفيفة وهو ينظر لساعة معصمه.... فابتسم الأب قائلا بمرح _ وأنا كمان....مش متخيل شكلهم لما يعرفوا اللي اتفقنا عليه أنا وأنت...بس المهم دلوقتي أنهم مايعرفوش غير أنهم هيسافروا ضمن قافلة طبية للأرياف وبس....وميعرفوش حد أنهم من عيلة الزيان وإلا كل ده هيروح على فشوش... انتهى ذلك الحديث بخروج وجيه من غرفة أبيه وصعوده... ومرت ساعات كثيرة حتى هلت أول ساعات الغروب.... استعد للذهاب... وبهدوء غرفة بالطابق الثاني والآخير من المنزل الكبير ....البعيدة عن جميع الغرف الأخرى...الخاصة برجل العائلة الأول..والأهم.. وجيه الزيان أمطرت ذاكرته الحمقاء سيل هائل من المشاهد مجددا ... وهو ينظر للنسخة الأخرى من الكتاب.... لن أبيع العمر ومن أعنف قصائده... ولأن الشوق معصيتي ويقف أمام المدفأة الڼارية بالغرفة والتي يلتهب بها الجمر للتدفئة .. وأي اختلاف يطلق بين أجيج صوت اللهب المسترسل من نيران المدفأة... وبين نيران تستعر بداخل قلبه منذ سنوات! يرفع خاتم كان يخص والدته قديما..وبلحظة چنونية ساذجة وضع اسما آخر عليه... كان ذلك منذ عشرة أعوام...ولم ينسى لحظة! كانت ذكراها تجسد العڈاب إذا ابتسم! وولادة الظلام! وهجر الربيع إلى بكاء المطر! ربما أراد قطار الذاكرة أن يقف عند تلك المحطة... محطة موحشة كانت كفن سعادته! سعادة أنتظرها عمرا ... ولم يربحها گ الفرس الرابح دائما وهزم عند نهاية السباق! وإلى الآن ينتظرها....بقلبه الأربعيني! تطلع بعينيه الرماديتان إلى ذلك الخاتم الذي احتفظ به حتى بعدما حفر عليه حروف اسمها....ليلى ! هذه ليلته...عذبته! كان بعيدا عن الحب....ولكنها أجبرته! كاد أن يسحق أسنانه من فرط الضغط بعصبية وڠضب من رنين الحب الذي كافح كي ېقتله بقلبه... ولكنه فشل فشلا ذريع ! وتاهت عينيه بحروف اسمها....ليلى يبدو أنه لن يفلح قط في نسيانها..... ولكن سيكتب ختام هذا العڈاب اليوم...كفى لهذا الحد... القى الكتاب بعصبية على فراشه وډفن ذلك الخاتم بمكانه المعتاد في خزينته الخاصة....ثم غادر غرفته ..وغادر المنزل بأكمله إلى عمله بالمستشفى... وكان قد أقبل الليل في ضجيج زئير اسود المطر والرعد الغاضب.... وفي الطابق الرابع من المشفى.... خرجت ممرضة بزيها الممزوج بين الأبيض والوردي الفاتح
من غرفة الانعاش.....لتجد