قلبي وعيناك والايام بقلم رحاب ابراهيم
انت في الصفحة 1 من 29 صفحات
الجزء الأول الفصل الأول ... رجل الصمت الأسود ... لا يأخذ منا النسيان إلا ما تجاوزناه وتخطيناه ببساطة ولم يرهق قلوبنا ...بينما التناسي إرادة وليدة من بقايا قوة كنا عليها... والأمس..واليوم ...وغدا ! هم مراحل العمر.. گ مراحل الألم..تماما عبرت السيارة البورش باناميرا السوداء بوابة منزل كبير..عريق الأصل...تحاوطه حديقه يملأها أشجار الزيتون. منزل يخطف الابصار ليس ببنائه الحديث! بينما لذلك المعمار الذي يرجع لأعوام كثيرة ماضية كأنه باقي من العصر الفيكتوري...... بقايا من تاريخ أحدى كبرى العائلات. تملئه الحكايا...تملئه البقايا..من كل راحل ..ومن كل ما زال على قيد الحياة. نهبت السيارة الطريق برشاقة... كالمرأة الفاتنة التي تتبختر بغرور وتغنج كأنها تدرك أنها الوحيدة التي يليق عليها الإغراء.. وذلك الذي يجلس في المقعد الخلفي من السيارة..تحاوطه هالة الرجولة والغموض... سيطر الغموض على سيمائه. رجل لا يتحدث كثيرا...كأن كثرة الحديث ستخطف جزء من عمقه وهيبته....ومن سنواته الأربعين. ينظر للنافذة بجانبه في شرود تام... صمت غارق في شيء هو وحده يفهمه...ويواريه...يخفيه عن تلصص الفضول. ولا معرفة حتى ما خلف نظراته المشفرة بتلك النظارة السوداء التي تخفي عمق عينيه...وجسارة نظراته القوية الثاقبة... رجل الصمت الأسود ! مثلما أطلق عليه ! ماليش أمل في الدنيا دي...غير أني أشوفك متهني...حتى أن لقيت أن بعادي..راح يسعدك أبعد عني..... أنطلق صوت الحب ليلى مراد من المذياع الملحق بالسيارة.. انتفض رماح الشوق بخاطره بعد كبح كاد يدميه أنين! رغم أنه لم ينسى مطلقا ! وانتفضت عروق فكيه من ضغطه على أسنانه بعصبية مكتومة... هذه المقطوعة مجددا ! يا الله تلاحقه گ أيام العمر ! ...ليست بالنسبة له كما الجميع ! مقطوعة غنائية...استطاعت تشكيل ونقش عينيها على سجادة ضبابية للفراغ الناظر إليه بشرود.. عينيها التي لم ترحل من ذاكرته..ومن ابسط الأشياء التي كانت تخصها ...ومن بقاياها. كان يتذكرها غامرا بالحنين والأشتياق والڠضب... وبهجرها هجره أمتياز الحب.. وتخضبت جميع الاختيارات بالأسود بعد ذلك....ولكن الحب دائما يحمل الاستثناءات. ارتفعت ضربات قلبه بالتدريج...صاح الألم بمرارة الريق وغصة لم تفارقه منذ سنوات... كل مرة كان يصيح عندما تتردد تلك المقطوعة بالخطأ في أي مكان يتواجد فيه...كان يغضب ويأمر أن يتم أغلاقها في الحال... اليوم لم يستطع هذه المرة...وأن أعترف وترك هذا الكبرياء جانبا ولو لبرهة...سيعترف أن جنونه بها فاق الاحتمال والطاقة على صبر الفراق.... وللحنين عودة! عشر سنوات يا قاسيتي! دق قلبه بالعتاب لمكان مهجور بزاوية معتمة بروحه..مكان بالقلب غارق بالدموع على امرأة .... امرأة قلبه الأبدية. الذي لم يتخطى حتى ذكراها ولو بعض الشيء! انتهت المقطوعة...وضجت المصادفة الأكثر إثارة لمشاعره...عندما نطق صوت أنثوي إذاعي باسم المطربة... لا يخصه بالأمر شيء سوى الاسم الأول فقط.... ضجيج المشاعر صاح باسم ليلى ليلى من بين جميع الليال ..فكر بسخرية أنه قيس النسخة الجديدة..والأكثر عذابا..والأتعس حظا! نطق بصوته الأجش المليء بالشجن والحنين قائلا للسائق أن يذهب به..... لذلك المكان الذي زاره مرات كثيرة خلال سنوات ماضية..ولكنه امتنع عن زيارته لأكثر من شهرين مؤخرا...وأعتقد أنه يتداوى! ظن وهمي بالشفاء ... وكأن الذكريات شفاءها الابتعاد عن أماكن التصقت بها بعض المشاهد الساكنة بسير الوتين... تساءل السائق في تعجب _ طب مش هتروح المستشفى يا دكتور وجيه رد وجيه وهو يعود بنظرته للنافذة وأكتفى بالقول _ لأ ... وكما عاهده السائق...قليل الكلام...إجابته بأقل عدد من الكلمات ! وقفت السيارة السوداء أمام محل قديم..له باب معدني فضي يجر من أعلى لأسفل للأغلاق والعكس إذا فتح... نظر إليه وجيه للحظات ثم ترجل من السيارة بخطوات يبدو عليها التردد! گ الذي أصابه الإدمان لشيء يبغضه ولكنه مرغم عليه حتى يستعيد هدوئه. وقف بجسده المنيف الذي يغطيه معطف طويل أسود يناسب فصل الشتاء الراهن العڼيف.. قطرات مياه المطر تنزلق من بين كلمات مكتوبة باللون الأبيض من تلك اللوحة الزرقاء الشاحبة المتقشرة...المدون عليها اسم المكان محل الزهور قال وجيه للسائق بنظرة متمعنة للوحة... وبإشارة من أصبعه... ودون الاستدارة _ أرجع أنت يا علي.... تساءل السائق علي وهو ينظر للرجل الموالي ظهره في ثبات _ أسيب العربية ولا أرجعها البيت يا دكتور رد وجيه باختصار _ سيبها...أنت أجازة النهاردة... استدار وجيه هذا المرة ليخرج شيء من جيبه ثم وضع عدة أوراق نقدية بيد السائق ....ابتسم علي بخفاء وراقه تلك الإجازة التي لم يطلبها والمدفوع ثمنها أيضا وغادر عائدا لمنزله...أوقف سيارة أجرة وأختفى من الطريق... أقترب وجيه من الباب الفضي ثم أخرج ميدالية مفاتيحه الخاصة التي من ضمنها المفتاح الخاص بهذا المكان... والذي أصبح ملكه بعد عام واحد من الفراق أي من تسع سنوات...عندما أعلن المالك هذا المحل للبيع لضرورة السفر...وتم البيع انحنى وفتح القفل الحديدي الذي تآكل من الصدأ بعض الشيء... بسبب مياه الأمطار الغزيرة لسنوات عدة....جر الباب للأعلى ليتضح أمامه..... ملف الذكريات طاولة زجاجية مستطيلة عليها بعض أصص الزرع لعدد من سلالات الزهور التي ذبلت حتى المۏت...وجر أخرى بكل الأرفف الزجاجية التي تملأ الجدران ذي اللون الازرق... المليئة بأحواض فارغة من النباتات...وأطلال زهور اللافندر والريحان ...وخلف الطاولة ماكينة كهربائية لتصوير الأوراق والمستندات...بجانب أصص زهور اللافندر. يستطع رغم ذلك استنشاق رحيقها...الماضي يأتي بكل ما فيه... حتى الروائح تأتي من الحنين إليها ! وعلى يمينه أهم شيء ...الأقرب إلى قلبه المقعد الهزاز من خشب الباولونيا.... الثابت بجانب أرفف صغيرة مكتبية...بها عدد من دواوين الشعر والقصص الرومانسية العالمية منها والعربية....التي كانت تعشقها. أقترب بخطوات متزنة...تنقلت نظرته بين الكتب المائلة على بعضها بفوضى عارمة...المكان يغط في الفوضى ورغم ذلك يبقيه على ماضيه...فهو امتلكه لذلك الهدف ... لمست أنامله الكتب وكأن ذلك كان إشارة لإثارة فوضى أكبر... فوقع أربع كتب مندسة بغلظة بقلب الرف المكدس.. كانت المفاجأة الذي لم يكتشفها سوى اليوم...كتاب كان أهداه لها منذ عشر سنوات! كان يتجنب ذلك الرف تماما...لما حرك المياه الراكدة اليوم! يا لغبائه! ولكن المفجع حقا أنها لم تأخذه معها !! حتى هذه الذكرى تركتها ولم تريدها ! ماذا فعل لكل تلك الكراهية الغير مبررة !! أزدرد ريقه بمرارة وهو يرفع الكتاب من الأرض حتى أستقام بطوله ونظر إليه في دقة ونظرات تنثر بريق عاتب وغاضب ومټألم.. كان ديوان شعر .... لن أبيع العمر وكان إهداء الشاعر فاروق جويدة بأول صفحات الكتاب هو ملخص عشر سنوات من الألم والهجر. يغمرنا العشق فنغرق فيه ولا ندري هل نحمل عشقا...أم مۏتا.. فبعض العشق يكون المۏت...وبعض المۏت يكون العشق ! أغمض وجيه عينيه بمرارة غاصت في حلقه وللحظة لم يحتمل فكرة أنها حتى تخلت عن كل ما يذكرها به! جلس بجسد ثقيل على المقعد الهزاز وعينيه تحجب الألم عن كل شيء.....ثم رجع بظهره للمقعد وأسند رأسه للخلف على حافته العلوية.... وعينيه مغلقتان في عڈاب رجل غليظ الكبرياء...داهمته لحظات الحنين والضعف القاټل في الاشتياق لخائڼة! كان صدقه واستثنائية محبته لعڼة عليه... ليته بائع لأحاديث الهوى... مرت ساعتين وتتهاوى
علي